تأثير الانتخابات الأمريكية على الأسواق المالية
تُعتبر الانتخابات الأمريكية من بين الأحداث السياسية الكبرى التي تترك بصمتها على الأسواق المالية، ليس فقط داخل الولايات المتحدة بل على مستوى الاقتصاد العالمي، ينتظر المستثمرون نتيجة الانتخابات لتقييم السياسة الاقتصادية التي سيتبناها الرئيس الجديد، والتي لها تأثير مباشر على أسعار الأسهم، السندات، العملات، والمعادن الثمينة.
عدم اليقين
التقلبات: غالبًا ما تؤدي الانتخابات إلى تقلبات قصيرة الأمد في الأسواق بسبب عدم اليقين بشأن السياسة الاقتصادية الجديدة. هذه التقلبات قد تكون حادة، خصوصًا في الأسابيع التي تسبق الانتخابات وحتى إعلان النتائج.
التوقعات الاقتصادية: السياسات الاقتصادية المتوقعة من الفائز، سواء كانت داعمة للأعمال أو قائمة على زيادات ضريبية أو إنفاق عام ضخم، تلعب دورًا في توجيه قرارات المستثمرين.
إذا عاد دونالد ترامب إلى السلطة، يمكننا أن نتوقع استمرار سياسته التي كانت قائمة على “أمريكا أولاً”، والتي تمحورت حول خفض الضرائب، تقليل التنظيمات، والانخراط في صراعات تجارية. دعنا نفصّل توجهاته الاقتصادية:
أ. التوجهات الاقتصادية لترامب
خفض الضرائب:
في فترة رئاسته الأولى، مرر ترامب قانون خفض الضرائب لعام 2017، والذي خفض معدل الضريبة على الشركات من 35% إلى 21%. إذا فاز مجددًا، من المتوقع أن يسعى للحفاظ على معدلات الضرائب المنخفضة أو ربما حتى خفضها بشكل أكبر، معتقدًا أن ذلك يحفز النمو الاقتصادي.
كذلك، قد يحاول تعزيز تخفيض الضرائب على الأفراد، خاصة أصحاب الدخل المرتفع، لدعم استهلاك الأغنياء واستثماراتهم.
التجارة الدولية والحروب التجارية:
سياسة ترامب التجارية كانت معروفة بالصدامات مع الصين وغيرها من الدول من خلال فرض رسوم جمركية على الواردات. إذا عاد للسلطة، قد تستمر هذه السياسة، مما قد يزيد من عدم اليقين في الأسواق، خاصة تلك المعتمدة على سلاسل التوريد العالمية.
يمكن أن تعود التوترات التجارية، خصوصًا مع الصين وأوروبا، مما قد يؤثر على الشركات الأمريكية التي تعتمد على المواد الخام أو المنتجات المصنعة في الخارج.
التنظيمات:
ترامب من الداعمين لتخفيف التنظيمات الحكومية على الشركات، خاصة في مجالات الطاقة، البنوك، والصناعة. هذا التوجه يمكن أن يدفع الأسواق على المدى القصير، حيث يسمح للشركات بزيادة أرباحها بتكلفة تنظيمية أقل.
الاستثمارات في البنية التحتية:
ترامب قد يدعو إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية مثل الطرق والجسور، وهو ما قد يحفز قطاعات مثل البناء، المعادن، والموارد الطبيعية. ومع ذلك، هذه الاستثمارات قد تواجه عوائق مالية نظراً للديون العامة.
ب. تأثير فوز ترامب على الأسواق المالية
الأسهم:
القطاعات المستفيدة: شركات الطاقة التقليدية (النفط والغاز)، القطاع المالي، والصناعات الثقيلة قد تستفيد من تخفيف التنظيمات واستمرار التخفيضات الضريبية.
المخاطر: الشركات المعتمدة على التصدير أو التي تعتمد على استيراد المواد الخام قد تعاني بسبب الحروب التجارية المحتملة.
السندات:
قد نرى ارتفاعًا في عوائد السندات إذا استمر ترامب في سياسات التحفيز الاقتصادي وخفض الضرائب، مما يزيد من العجز المالي. هذا قد يؤدي إلى زيادة إصدار السندات الحكومية لتمويل هذا العجز.
العملات:
الدولار الأمريكي قد يشهد ارتفاعًا في حالة تجدد النزاع التجاري مع الصين، حيث يعتبر الدولار ملاذًا آمنًا. لكن على المدى الطويل، سياسات العجز المالي قد تؤدي إلى ضغوط على الدولار.
المعادن الثمينة:
الذهب قد يستمر في الارتفاع في حال عودة الحروب التجارية وزيادة التوترات الدولية، حيث يعتبر ملاذًا آمنًا.
كمالا هاريس، نائب الرئيس الحالي جو بايدن، تمثل توجهات سياسية واقتصادية تقدمية، تركز على تعزيز العدالة الاجتماعية، التحول نحو الطاقة المتجددة، وزيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبيرة.
أ. التوجهات الاقتصادية لهاريس
زيادة الضرائب على الأثرياء والشركات:
من المتوقع أن تتبع هاريس سياسات مماثلة لسياسات بايدن الحالية فيما يتعلق بالضرائب. قد تسعى إلى زيادة الضرائب على الشركات الكبرى والأفراد ذوي الدخل المرتفع لتمويل برامج اجتماعية وخطط التحفيز الاقتصادي.
الهدف هو تقليل الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء وتعزيز الإيرادات الحكومية لتمويل الإنفاق الاجتماعي.
التحول نحو الطاقة المتجددة:
ستستمر هاريس في دعم الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة كجزء من التزامها بمكافحة التغير المناخي. هذا قد يشمل دعم مالي كبير لشركات الطاقة المتجددة والبنية التحتية البيئية.
قد يتم فرض ضرائب وتنظيمات أكثر صرامة على شركات الطاقة التقليدية، ما قد يؤثر سلبًا على قطاع النفط والغاز.
الإنفاق الاجتماعي والبنية التحتية:
هاريس تدعم خطط ضخمة لزيادة الإنفاق على البنية التحتية، التعليم، والرعاية الصحية. هذه الاستثمارات قد تكون إيجابية لقطاعات مثل البناء، التكنولوجيا، والرعاية الصحية.
مع ذلك، يمكن أن تزيد من العجز المالي إذا لم يتم تمويلها من خلال زيادات ضريبية كافية.
التجارة الدولية:
على عكس ترامب، من المرجح أن تركز هاريس على إعادة بناء العلاقات التجارية مع الحلفاء التقليديين والتعاون الدولي. هذا قد يؤدي إلى تخفيف التوترات التجارية، وهو ما سيكون إيجابيًا للأسواق المعتمدة على التجارة العالمية.
ب. تأثير فوز هاريس على الأسواق المالية
الأسهم:
القطاعات المستفيدة: شركات الطاقة المتجددة، التكنولوجيا النظيفة، الرعاية الصحية، والتعليم قد تستفيد من السياسات الداعمة للاستثمار في هذه المجالات.
المخاطر: الشركات الكبرى التي تعتمد على ضرائب منخفضة قد تتعرض لضغوط بسبب سياسة زيادة الضرائب، مما قد يؤدي إلى انخفاض في أسعار أسهمها.
السندات:
قد نشهد ارتفاعًا في إصدارات السندات الحكومية لتمويل الإنفاق الاجتماعي والبنية التحتية، مما قد يرفع عوائد السندات على المدى الطويل.
العملات:
الدولار الأمريكي قد يتعرض لضغوط بسبب زيادة العجز المالي والإنفاق الحكومي الكبير، خاصة إذا اقترن هذا بزيادة الضرائب على الشركات.
المعادن الثمينة:
إذا ارتفعت التوترات الجيوسياسية أو تفاقمت المشاكل الاقتصادية الداخلية، قد يستمر الذهب في الارتفاع كملاذ آمن.
الخلاصة
كل من فوز دونالد ترامب أو كمالا هاريس سيؤدي إلى مسار مختلف تمامًا للأسواق المالية.
ترامب قد يدعم الشركات الكبرى والقطاعات التقليدية مثل الطاقة والصناعة من خلال خفض الضرائب وتقليل التنظيمات، لكنه قد يخلق عدم استقرار في الأسواق الدولية من خلال سياساته التجارية.
هاريس ستسعى إلى تعزيز الاستثمارات الاجتماعية والطاقة المتجددة، لكنها قد تضع ضغوطًا على الشركات الكبرى من خلال زيادات ضريبية وتنظيمات أكثر صرامة.
في كلا الحالتين، سيتعين على المستثمرين التكيف مع هذه السياسات الجديدة ومراقبة كيفية تأثيرها على مختلف القطاعات والأسواق المالية.